
فارقت الشابة دنيا الشمري البالغة من العمر 21 عاما حياتها، أثناء محاولتها بلوغ الأراضي البريطانية حيث كانت تأمل بالحصول على أوراق برفقة عائلتها من أقلية البدون في الكويت. رغم إمضاء العائلة أربع سنوات في ألمانيا، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على حق اللجوء هناك، واستمرت رحلتهم بالبحث عن بلد يمنحهم أوراق ثبوتية، فتوجهوا إلى شمال فرنسا آملين بعبور بحر المانش. آمال تبددت بفقدان ابنتهم الكبرى التي توفيت سحقا على متن قارب مكتظ.
في نهاية تموز/يوليو الماضي، واجه ركاب قارب مكتظ كان يحمل 75 مهاجرا صعوبات أثناء الإبحار باتجاه سواحل المملكة المتحدة. وراح ضحية رحلة العبور هذه التي انطلقت من شمال فرنسا شابة تبلغ من العمر 21 عاما وهي من بدون الكويت، حسبما كشفت آخر المعلومات. الشابة كانت تدعى دينا الشمري، وتوفيت ليس بسبب الغرق وإنما بسبب اكتظاظ القارب المحمل فوق طاقته، وتدافع المهاجرين على متنه الذي أدى إلى اختناق الشابة.
عائلة دينا التي كانت برفقتها ليلة وقوع المأساة، تروي لوكالة الأنباء الفرنسية تفاصيل الحادثة. حوالي الساعة الرابعة صباح 28 تموز/يوليو كان موعد انطلاق القارب، وتقول شقيقتها نور البالغة من العمر 19 عاما إنها صعدت إلى المركب برفقة دينا وتبعهما عشرات المهاجرين. لكن في الأثناء “تعرضت وشقيقتي للسحق من قبل حوالي 20 شخصا. طلبنا النزول من القارب لكنهم لم يسمحوا لنا بذلك”، حسبما توضح الشابة المقيمة حاليا في مركز تابع لمنظمة الإغاثة الكاثوليكية في مدينة كاليه.
أبحر القارب رغم ذلك “بعد أن هدد شباب يحملون سكاكين باستخدامها إذا لم يبحر”، لمدة ساعة استغاثتا لكن دون جدوى. وأخيرا لاحظ ركاب أن دينا “شاحبة اللون وتحمل آثار كدمات في عنقها” وطلبوا مساعدة خدمة الإنقاذ البحري.
وفقا للمحافظة البحرية للمانش وبحر الشمال، أنقذت السلطات 35 شخصا بينهم دينا التي كانت فاقدة للوعي، عند قرابة الساعة الخامسة والنصف. فيما واصل الآخرون رحلتهم إلى إنكلترا.
ونقلت الشابة بمروحية إلى ميناء بولونيه سور مير الفرنسي لكنها لم تنج، في حين تلقت فاطمة (14 عاما) شقيقة دينا ونور وعبد الله (13 عاما) علاجا بعد أن اصيبت ساقها.
وعبرت نور في حديثها عن الغضب من الركاب الذين لم يصغوا إلى دعواتهما طوال ساعة بدت كدهر، بينما كانت والدتها أميرة تجهش بالبكاء، والتي أضافت “كانت دينا سعيدة للغاية عندما وصلت إلى القارب”. وفتح تحقيق بتهمة القتل غير العمد وتعريض حياة الآخرين للخطر.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية تحدثت مع شاب سوري كان ينوي الصعود إلى متن القارب نفسه، وقال إنه كانت هناك ثلاثة قوارب إلا أن الشرطة الفرنسية اعترضت المهاجرين قبل بدئهم رحلة العبور، وصادرت قاربين اثنين لمنعهم من عبور البحر. وأضاف أن “المهربين باتوا يتخذون المزيد من المخاطر لتجنب القبض عليهم من قبل الشرطة الفرنسية”.
العائلة المؤلفة من الوالدين وأربعة أولاد تتراوح أعمارهم بين 13 و21 عاما، متحدرة من الكويت لكنهم من البدون، أي من الأقلية التي لا يحمل أصحابها الجنسية الكويتية وليست لديهم أي حقوق.
في مطلع عام 2021 هاجرت العائلة إلى ألمانيا حيث “حصلت دينا على شهادة في مجال طب الأسنان”. لكن رغم طلبهم اللجوء إلا أن السلطات “رفضت منحهم الحماية”، وطلبت منهم وثائق لم يتمكنوا من تأمينها كما توضح نور.
تقول والدة دينا التي تصفها بأنها “شخص مفعم بالحيوية ويحب الحياة”، إن ابنتها “كانت تريد الذهاب إلى إنكلترا للعيش بأمان ولتترك وراءها ملاحقات الشرطة”.
وخوفا من الترحيل، قررت العائلة الذهاب إلى المملكة المتحدة علهم يحصلون على حق اللجوء. فوصلت العائلة إلى فرنسا قبل شهر، وحاولوا عبور بحر المانش خمس مرات. محاولات باءت جميعها بالفشل بعد تدخل الشرطة الفرنسية.
اليوم لم تعد اسرة الشمري تفكر في المستقبل، بل باتت تركز على إعادة جثمان دينا إلى البلاد. وستنظم العائلة عبر الإنترنت حملة لجمع تبرعات للحصول على مبلغ خمسة آلاف يورو لتغطية النفقات.
في الأسابيع الأخيرة توالت المآسي على الجانب الفرنسي مع وفاة سبعة أشخاص أثناء محاولات العبور في تموز/يوليو الماضي.
وفي لقاء سابق مع مهاجرنيوز أوضحت المتحدثة باسم المحافظة البحرية فيرونيك ماجنين، أنه “بشكل عام، لا يشعر المهاجرون بسعادة كبيرة عندما يرون السفن الفرنسية تقترب منهم، لأنهم يسعون قبل كل شيء للوصول إلى المملكة المتحدة. لذلك نحن لا نخاطر بنقلهم من قاربهم إلى زورقنا إذا لم يطلبوا منا المساعدة. إن عواقب الإنقاذ القسري وعواقب التدافع، يمكن أن تكون دراماتيكية. آخر حادثة لموت مهاجرين في البحر لم تكن حادثة غرق، بل تعرض الضحايا للدهس والتدافع من قبل مهاجرين آخرين قبالة الشاطئ بعد حالة من الذعر. نريد تجنب ذلك بأي ثمن”.